02-16-2016, 10:26 PM
|
|
دع عنك الصبا
فدَعِ الصِّبا فلقد عداكَ زمانُهُ و ازهَد فعمرُكَ مرَّ منه الأطيبُ
ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ و أتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا و اذكُر ذنوبَكَ و ابِكها يا مُذنبُ
و اذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه لا بَدَّ يُحصي ما جنيتَ و يَكتُبُ
لم ينسَهُ الملَكانِ حينَ نسيتَهُ بل أثبتاهُ و أنتَ لاهٍ تلعبُ
و الرُّوحُ فيكَ وديعةٌ أودعتَها ستَردُّها بالرغمِ منكَ و تُسلَبُ
و غرورُ دنياكَ التي تسعى لها دارٌ حقيقتُها متاعٌ يذهبُ
و الليلُ فاعلمْ و النهارُ كلاهما أنفاسُنا فيها تُعدُّ و تُحسبُ
وجميعُ ما خلَّفتَهُ و جمعتَهُ حقاً يَقيناً بعدَ موتِكَ يُنهبُ
تَبَّاً لدارٍ لا يدومُ نعيمُها و مَشيدُها عمّا قليلٍ يَخربُ
فاسمعْ هُديتَ نصيحةً أولاكَها بَرٌّ نَصوحٌ للأنامِ مُجرِّبُ
صَحِبَ الزَّمانَ و أهلَه مُستبصراً و رأى الأمورَ بما تؤوبُ و تَعقُبُ
فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْها تفزْ إنّ التّقيَّ هوَ البَهيُّ الأهيَبُ
و اعملْ بطاعتِهِ تنلْ منهُ الرِّضا إن المطيعَ لهُ لديهِ مُقرَّبُ
و اقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ و اليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلبُ
فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
و ابدأْ عَدوَّكَ بالتحيّةِ و لتَكُنْ منهُ زمانَكَ خائفاً تترقَّبُ
و احذرهُ إن لاقيتَهُ مُتَبَسِّماً فالليثُ يبدو نابُهُ إذْ يغْضَبُ
إنَّ العدوُّ و إنْ تقادَمَ عهدُهُ فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغيَّبُ
و إذا الصَّديقٌ لقيتَهُ مُتملِّقاً فهوَ العدوُّ و حقُّهُ يُتجنَّبُ
لا خيرَ في ودِّ امريءٍ مُتملِّقٍ حُلوِ اللسانِ و قلبهُ يتلهَّبُ
يلقاكَ يحلفُ أنه بكَ واثقٌ و إذا توارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ
يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً و يَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ
وَ صِلِ الكرامَ و إنْ رموكَ بجفوةٍ فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصوَبُ
و اخترْ قرينَكَ و اصطنعهُ تفاخراً إنَّ القرينَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
إنَّ الغنيَ من الرجالِ مُكرَّمٌ و تراهُ يُرجى ما لديهِ و يُرهبُ
و يُبَشُّ بالتَّرحيبِ عندَ قدومِهِ و يُقـامُ عندَ سلامهِ و يُقرَّبُ
و الفقرُ شينٌ للرِّجالِ فإنه حقاً يهونُ به الشَّريفُ الأنسبُ
و اخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهمْ بتذلُّلٍ و اسمحْ لهمْ إن أذنبوا
و دعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً إنَّ الكذوبَ يشينُ حُراً يَصحبُ
و زنِ الكلامَ إذا نطقتَ ولا تكنْ ثرثارةً في كلِّ نادٍ تخطُبُ
و احفظْ لسانَكَ و احترزْ من لفظِهِ فالمرءُ يَسلَمُ باللسانِ و يُعطَبُ
و السِّـرُّ فاكتمهُ و لا تنطُقْ بهِ إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
و كذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لمْ يُطوهِ نشرتْهُ ألسنةٌ تزيدُ و تكذِبُ
لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ في الرِّزقِ بل يشقى الحريصُ و يتعبُ
و يظلُّ ملهوفاً يرومُ تحيّلاً و الرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ رغَداً و يُحرَمُ كَيِّسٌ و يُخيَّبُ
و ارعَ الأمانةَ ، و الخيانةَ فاجتنبْ و اعدِلْ و لا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسَبُ
و إذا أصابكَ نكبةٌ فاصبرْ لها من ذا رأيتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
و إذا رُميتَ من الزمانِ بريبةٍ أو نالكَ الأمرُ الأشقُّ الأصعبُ
فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ يدعوهُ من حبلِ الوريدِ و أقربُ
كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ
و احذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
و احذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً و اعلمْ بأنَّ دعاءَهُ لا يُحجَبُ
و إذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلدةٍ و خشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا طولاً و عَرضاً شرقُها و المغرِبُ
فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ و يُوهَبُ
هذه القصيدة للشاعر صالح عبد القدوس وهو احد شعراء الدولة العباسية
هذه القصيدة لم يشتهر منها الا بيت واحد مع ان كل بيت في هذه القصيدة يعادل
قصيدة
|